التحليل النوعي في الاستثمار ما هو؟

ما هو التحليل النوعي؟

في مجال الأعمال والإدارة، يستخدم التحليل النوعي الحكم الذاتي لتحليل قيمة الشركة أو آفاقها استنادًا إلى معلومات غير قابلة للقياس الكمي، مثل الخبرة الإدارية، ودورة الصناعة، وقوة البحث والتطوير، والعلاقات العمالية.

بينما يتناقض التحليل النوعي مع  التحليل الكمي ، الذي يركز على الأرقام الواردة في التقارير، مثل الميزانيات العمومية. ومع ذلك، غالبًا ما يتم استخدام التقنيتين معًا لفحص عمليات الشركة وتقييم إمكاناتها كفرصة استثمارية.

فهم التحليل النوعي

يشبه التمييز بين المنهجين النوعي والكمي الفرق بين الذكاء البشري والاصطناعي. يستخدم التحليل الكمي مُدخلات دقيقة، مثل هوامش الربح، ونسب الدين ، ومضاعفات الأرباح، وما شابه. ويمكن دمج هذه المدخلات في نموذج حاسوبي للحصول على نتيجة دقيقة، مثل القيمة العادلة  للسهم أو توقعات نمو الأرباح.

بالطبع في الوقت الحالي، يجب على الإنسان كتابة البرنامج الذي يحلل هذه الأرقام، وهذا يتطلب قدرًا لا بأس به من الحكم الذاتي. لكن بمجرد برمجتها، يمكن لأجهزة الكمبيوتر إجراء تحليل كمي في أجزاء من الثانية، بينما قد يستغرق الأمر دقائق أو ساعات حتى بالنسبة لأكثر البشر موهبةً وتدريبًا.

من ناحية أخرى يتناول التحليل النوعي مسائل غير ملموسة وغير دقيقة، تنتمي إلى المجال الاجتماعي والتجريبي، لا إلى المجال الرياضي. يعتمد هذا النهج على نوع الذكاء الذي تفتقر إليه الآلات (حاليًا)، إذ يصعب، بل ربما يستحيل، رصد أمور مثل الارتباطات الإيجابية بالعلامة التجارية، وثقة الإدارة، ورضا العملاء، والميزة التنافسية ، والتحولات الثقافية، باستخدام المدخلات الرقمية. 

فهم الناس من خلال التحليل النوعي

قد يبدو التحليل النوعي أشبه بـ”الاستماع إلى حدسك”، بل إن العديد من المحللين النوعيين يجادلون بأن حدسهم له دوره في العملية. لكن هذا لا يعني أنه ليس نهجًا دقيقًا. بل إنه قد يستهلك وقتًا وجهدًا أكبر بكثير من التحليل الكمي.

يُعدّ الأفراد محور التحليل النوعي. قد يبدأ المستثمر بالتعرف على إدارة الشركة ، بما في ذلك خلفياتهم التعليمية والمهنية. ومن أهم العوامل خبرتهم في هذا المجال. وبشكل أكثر تجريدًا، هل لديهم سجل حافل بالعمل الجاد واتخاذ القرارات الحكيمة، أم أنهم أكثر قدرة على معرفة الأشخاص المناسبين أو التواصل معهم؟ كما أن سمعتهم أساسية: هل يحترمهم زملاؤهم وأقرانهم؟ كما أن علاقاتهم مع شركاء العمل جديرة بالدراسة، لما لها من تأثير مباشر على العمليات.

ثقافة الشركة والتحليل النوعي

نظرة الموظفين للشركة وإدارتها أمرٌ بالغ الأهمية. هل هم راضون ومتحمسون، أم أنهم مستاؤون من رؤسائهم؟ يمكن أن يشير معدل دوران الموظفين إلى ولاء الموظفين أو انعدامه. إلى ماذا تشير ثقافة مكان العمل إلى الشركة؟

تعزز المكاتب الهرمية المفرطة التنافس والتنافس، وتضعف الطاقة الإنتاجية؛ أما البيئة الخاملة وغير المحفّزة فقد تجعل الموظفين منشغلين فقط بإنجاز العمل. والوضع الأمثل هو ثقافة نابضة بالحياة ومبدعة تجذب أفضل المواهب.

البيانات النوعية

قد يكون جمع البيانات للتحليل النوعي صعبًا في بعض الأحيان. لا يُعرف عن الرؤساء التنفيذيين لشركات فورتشن 500 الجلوس مع المستثمرين الأفراد للحديث أو اصطحابهم في جولة في المقر الرئيسي للشركة. ويعود الفضل جزئيًا في قدرة وارن بافيت على استخدام التحليل النوعي بفعالية إلى استعداد الناس لمنحه وقتهم ومعلوماتهم. أما نحن، فنضطر إلى التدقيق في التقارير الإخبارية وملفات الشركات لفهم سجلات المديرين واستراتيجياتهم وفلسفاتهم.

يتيح قسم مناقشة الإدارة وتحليلها (MD&A) في مؤتمرات الشركة التي يتم عقدها عبر الإنترنت لمناقشة التقارير المالية السنوية ونتائجها الفصلية ، فرصةً للاطلاع على استراتيجيات الشركة وأساليب التواصل. حيث يعدّ التواصل الواضح والشفاف والاستراتيجيات المتماسكة أمرًا مفيدًا، بينما لا تُعدّ الكلمات الطنانة والمراوغة وقصر النظر مفيدةً.

كما يمكن جمع البيانات النوعية أيضًا بطرق أخرى متعددة، بما في ذلك المقابلات، ومجموعات النقاش، والإثنوغرافيا (الملاحظة بالمشاركة)، وأعمال الأرشيف، وتحليل الوثائق. غالبًا ما تُقرأ البيانات النوعية بعناية وتُرمَّز موضوعيًا لتحديد المواضيع والأنماط والاتجاهات.

التحليل النوعي في سياق الأعمال

العملاء هم الفئة الوحيدة الأكثر أهمية لنجاح الشركة من الإدارة والموظفين، فهم مصدر إيراداتها. ومن المفارقات، أن إعطاء الشركة الأولوية لمصالح عملائها قد يكون استثمارًا أفضل على المدى الطويل. إن أمكن، فمن الجيد أن تجرب أن تكون عميلًا. لنفترض أنك تفكر في الاستثمار في شركة طيران نجحت في خفض التكاليف، وتجاوزت تقديرات الأرباح لثلاثة أرباع متتالية، وتخطط لإعادة شراء أسهمها . ولكن عندما تحاول استخدام شركة الطيران، ستجد أن موقعها الإلكتروني مليء بالأخطاء، وممثلي خدمة العملاء مزعجون، والرسوم الإضافية تافهة، والركاب مستاؤون. تخبرك هذه التجربة السلبية أن الشركة لا تولي اهتمامًا لعملائها، وأنه يجب عليك توخي الحذر عند الاستثمار في شركة الطيران.

يُعدّ نموذج أعمال الشركة وميزتها التنافسية عنصرين أساسيين في التحليل النوعي. ما الذي يمنح الشركة أفضلية دائمة على منافسيها؟ هل ابتكرت تقنية جديدة يصعب على المنافسين تقليدها، أو تتمتع بحماية الملكية الفكرية ؟ هل لديها نهج فريد لحل مشكلة عملائها؟ هل علامتها التجارية معروفة عالميًا – بطريقة جيدة؟ هل يتمتع منتجها بصدى ثقافي أو شيء من الحنين إلى الماضي؟ هل سيظل هناك سوق له بعد عشرين عامًا؟ إذا كان بإمكانك تخيل شركة أخرى تتدخل وتقوم بما تقوم به هذه الشركة بشكل أفضل قليلاً، فقد يكون حاجز الدخول منخفضًا جدًا. لماذا تكون شركة غير راسخة هي التي تخلق أو تعطل سوقها المختار، ولماذا لا يتم استبدالها بدورها؟

مثال على التحليل النوعي في الأعمال

تكمن الفكرة وراء التحليل الكمي في قياس الأشياء؛ بينما تكمن الفكرة وراء التحليل النوعي في فهمها. يتطلب التحليل النوعي رؤية شاملة وسردًا شاملًا قائمًا على الحقائق. السياق هو المفتاح. على سبيل المثال، قد يكون الرئيس التنفيذي الذي ترك الدراسة الجامعية بمثابة راية حمراء في بعض الحالات، لكن مارك زوكربيرج وستيف جوبز استثناءان.

وادي السيليكون، للأفضل أو الأسوأ، هو وحش مختلف. إن نظرة على البيانات المالية لشركة ماكدونالدز ( MCD ) قبل بضع سنوات لم تخبرك شيئًا عن رد فعل عنيف وشيك ضد الطعام الرخيص وغير الصحي. من ناحية أخرى، فإن النهج النوعي البحت عرضة للتشويه بسبب النقاط العمياء والتحيزات الشخصية. يمكن أن تعمل المقاييس الكمية كرادع لهذه الاتجاهات.

التحليل النوعي مقابل التحليل الكمي

 التحليل النوعي يعتمد على وصف مفصّل وفهم عميق للموضوع محل البحث، مستمدّ من مقابلات مُعمّقة وملاحظات و/أو قراءات متعمّقة للنصوص. يتناول هذا النوع من البحث عادةً دراسات الحالة، ويمكن استخدامه لفهم الظواهر المحلية.

بينما يعتمد التحليل الكمي على التحليلات الإحصائية للبيانات الرقمية المُستقاة من المسوحات والتجارب والسجلات الإدارية. ومن هنا، يمكن استخلاص استنتاجات وتحليل الارتباطات بين المتغيرات لفهم ظواهر أكثر عمومية.